أمل اللقاء.......
*أمل اللقاء الطويل**
لكلِّ غائبٍ أهلٌ وأحبةٌ تنتظرُه لا يمكن التخفيفُ من ألمِ انتظارهم له، فيبقى طيفُه حاضراً لهم مهما طال الغياب، ولعلَّهم من شدةِ شوقِهم له يأتيهم على شكلِ حلمٍ في المنام؛ يبشرهم بالعودة.
هذا حالُ الكثيرين ممن فقدوا ذويهم لفتراتٍ طويلةٍ دون أيِّ أخبارٍ عنهم تبشرُهم بعودةٍ قريبةٍ أو بخبرٍ قد يكون صاعقةً لدى سماعِهم إياه، لكن يبقى أهونَ لديهم من العيشِ في نارٍ بين الحياة، والموت.
هذا حال الكثيرين من السوريين الذين فقدوا ذويهم إبانَ الثورة المناهضة لحكم الأسد، الذي بدأ حملةَ اعتقالاتٍ وتصفياتٍ طالت الكثيرين، وَأَدتهم في غياهبِ السجون...
أم مصطفى: امرأة خمسينية، إحدى اللواتي اكتوت في هذه النار، عاشت على أمل اللقاء القريب أو وصول الخبر الذي يطفئُ نارَ الانتظار؛ حيث فقدت زوجَها وهو في طريقه لتأمين لقمةِ العيش لها ولأطفالها...
وبسبب ضيقِ الأحوالِ المعيشيِّة، وقلةِ أسبابِ الدخلِ لجأ الكثيرُ من السورين للسفرِ خارجَ البلادِ بحثاً عن معيشةٍ أفضل...
كان أبو مصطفى، الذي يعمل في معملٍ لتصنيع أحجار البناء، ذاهباً إلى عمله الكائن في العاصمة دمشق، وذلك في منتصف العام 2013، أجرى آخر مكالمةٍ يبشر بها زوجته أنه على مشارف الدخول إلى دمشق على حاجز القطيفة "سيِّء الصِّيت"
وغاب عنها فحاولت أم مصطفى الاتصال به والاطمئنان عليه بعد هذه المكالمة، لكن دون جدوى.
بعد أكثرِ من يومين جاءها اتصالٌ هاتفيٌ من أحد المرافقين له في تلك الرحلة يخبرها بتوقيفِ زوجِها، خبراً كان كالصاعقةِ على أم مصطفى لكنَّه خفَّف من شدةِ ألمِها أنه مازال على قيد الحياة.
ولعلمها أنه غيرُ مطلوبٍ بأي جناية ، ظنت أنها أيامٌ قليلةٌ ويخرج، والأيام تمضي يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، والسنة تلو السنة، وبقيت أم مصطفى والأمل لم يفارقها، رغم تحملها أعباءً كثيرةً بعد فقد زوجها، وأصبحت أماً وأباً في آنٍ واحد ٍكي تربى أطفالها، حيث عملت أكثرَ من عملٍ لكي تؤمنَ لقمةَ العيشِ لأطفالها؛ فعملت بقطف الزيتون، وتعليب التين، ولم تترك عملاً يساعدها في الحياة إلا وطرقت بابه...
زادت معاناتُها، بسبب نزوحها وتهجيرها من منزلها في أواخر العام 2020 بسبب القصف المتكرر على بلدتها وتقدم قوات النظام إليها...
تنقلت لأكثرَ من مكان نزوح إلى أن استقر بها الحال في مخيمٍ بجبل كللي شمال إدلب
ومازالت تترقب بين الحين والآخر العودة إلى ديارها ورجوع من نطرته طويلاً...
إبان المعارك الأخيرة وتحرير المناطق من عصابات النظام المجرم، والذي بدأ من حلب وصولاً إلى دمشق، أم مصطفى كانت بعيون تبرق شوقاً إلى عودة محبوبٍ طال انتظارُه، ومع تحرير الثوار لكل سجنٍ تراقب بصمتٍ يغلب عليه الفرح لعله يكون من انتظرته طويلاً بين المفرج عنهم فكانت تتابع صور المساجين وأسماءهم وتحاول الاتصال بهم لكي تسأل عن زوجها، سجناً تلو السجن ويضعف أملها بعدم حصولها على خبرٍ يطفئ ناراً لم تنطفئ من قلبها، آمالها الأخيرة كانت إبان تحرير سجن صيدنايا والذي كان بتحريره من أيدي النظام فرحةٌ عارمةٌ عمَّت الجميع وكلٌّ يبحث عن غائبه، خابت آمال الجميع لم يفرج سوى عن مئات المعتقلين الذين ظهروا بجسد أموات، فاقدين للذاكرة، عليهم آثار تعذيبٍ شديدٍ.
مع انتشار صور آليات التعذيب في ذلك السجن اللعين؛ من المكبس، إلى المنشار، الى حوض الأسيد، خُلق لدى أم مصطفى حالةٌ من الذعر وهي تفكر وتتخيل كيف انتهى الحال بزوجها، لم تكن وحدها التي تفكر في تلك الطريقة بل الآلاف ممن فقدوا ذويهم ولم يجدوا لهم أثراً في سجون النظام المجرم تسرب اليهم نفس الخيال، أين هم؟ ماذا حل بهم ؟ أسئلة تحتاج الكثير والكثير من الأجوبة...
أم مصطفى ليست الأولى وليست الأخيرة التي طال بها الانتظار لمن فقدت، الانتظار الطويل المليء بالآلام
تأمل هي والكثير من أمثالها بعد سقوط النظام ألا يعيش أحدٌ مثل حالتهن ، وترجو كل الخير للبلاد ومستقبل مشرق لجميع السوريين
تعليقات
إرسال تعليق